عشر هدايا من دار سؤال إلى قرائها بعد عقدها الأول
منذ تأسيسها في بيروت قبل أن يودع العام 2014 أحلامه، ودار سؤال مسكونة برسالتها الواضحة:
”تعزيز ثقافة عربية تُحفّز أسئلة المعنى والقيمة والوعي بهما“. لذا، كانت السنوات القصيرة التي أعقبت ذلك التاريخ بمثابة تحدٍ جاد في إثبات وجودها في عالم النشر العربي المعقد والكبير. ومن مدينة التناقضات والآلام بيروت. القائمين على الدار ما لبثوا أن انحازوا باكراً، إلى خيار نشر وطباعة وتوزيع إنتاج فكري وإبداعي مغاير كماً ونوعاً، نابع من التأمل العميق والكتابة المستنيرة للأجيال العربية، ثقافةً وسلوكاً ومنهج تفكير.
فإذ باسماء وازنة تستجيب لهذا الانحياز الإبداعي وتقرر نشر أعمالها تحت شعار دار سؤال، وفي زمن قياسي، لِما لمسته، هذه الاسماء الكبيرة والمتنوعة من جدية وإجادة لفن التواصل والتفاعل الحديث الذي ما لبثت الدار أن تحولت مثالاً يُحتذى في هذا المضمار. إضافة إلى ميزة فضلى تميزت بها الدار مقارنة بنظيراتها في عالم النشر، ألا وهي مراعاة حقوق المؤلف الفكرية، وفق إطار قانوني واضح بينه وبين الدار بمهنية وتقدير. كما توجت كل ذلك بحرص لا تخطئه الأعين على المشاركة والتفاعل مع المشهد الثقافي العربي الكبير من خلال فعالياته ومناسباته وأحداثه.
حققت الدار خلال فترة زمنية وجيزة الكثير مما تطمح إليه ويستحق الافتخار، حيث نالت ثقة كُتّاب لهم مكانتهم المرموقة ليس في العالم العربي فحسب بل والعالم، نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر:
- أعاد الروائي الكبير إبراهيم الكوني نشر ملحمته المجوس بشعار دار سؤال، ومن هذه الطبعة صدرت نسختها الإنجليزية مؤخراً. ثم أتبعها بأعمال جديدة باهرة كـ: روايات ”ناقة الله“ و ”سليفيوم“ و“موسم تقاسم الأرض“ والتي أعادة قراءة الهجرة كفلسفة ومفهوم بشكل ابداعي لافت. للكوني عن طريق الدار كذلك أعمال ونصوص لا تقل أهمية عن الروايات كـ“روح البعد المفقود“، و“أهل السرى“، و ”معزوفة الأوتار المزمومة“.
- عاد المترجم العراقي البارز خيري الضامن من بوابة دار سؤال لاحياء مشاريع ترجمة إلى العربية ومن الروسية على وجه الدقة بكم ونوع غير مسبوقين. لعل أبرز ثمار هذه العودة الظافرة كتاب ”الرسائل“ لفيدور دوستويفسكي، والذي جاء في مجلدين ليكشف زوايا معتمة من سيرة الروائي الأعظم. ثم واصل الضامن رهانه على دار سؤال فأصدر عن طريقها ثلاثة أعمال لروائي روسي آخر وهو اندريه بلاتونوف وهي ”الحفرة“، ”الأشباح“، و“بحر الصبا“. اضافة إلى عمل موسع كان بمثابة صورة قلمية لدوستويفسكي من مذكرات زوجته آنّا دوستويفسكنا. ومؤخراً صدر عن الدار أول ترجمة عربية لرواية الكاتب الروسي المعاصر أناتولي بريستافكين (1931-2008) الشهيرة (أفراخ الوقواق)، والتي كتبها منذ ما يقارب من 30 عاماً.
- راهنت دار سؤال على رسالة الترجمة النوعية التي تقارب بين آخر ثمار المعرفة والأدب الإنساني المكتوبين باللغات العالمية الحية وبين شغف واحتياج القارئ العربي فكانت قصص نجاح يفتخر بها القارئ والدار معاً مثل كتاب الفيلسوف الكندي المعاصر آلن دونو، نظام التفاهة، والذي ترجمته باقتدار الدكتورة مشاعل الهاجري. تفاخر الدار بأن هذه الترجمة غدت على كل لسان، ومادة حيوية في النقاشات المتنوعة سواءً على المنابر الحوارية أو على منصات التواصل الاجتماعي المتنوعة. أما كتاب الأكاديمية الأمريكية اليسارية جوديث بتلر، قوة اللاعنف، والذي نقلته بصورة بديعة الدكتورة نور حريري؛ فهو الآخر وجد الاحتفاء والتقدير بين قراء العربية. أما ترجمة الأدب فحرصت الدار على انتخاب زبدة الإبداع لتجارب روائية لا تمتد من الشرق إلى الغرب فحسب، بل وتجسر قارئ العربية بأصوات أدباء دول وتجارب ملفتة فناً وعوالم؛ أعمال لصفوة عالمية مثل الروائي الإيراني أمين حسن جهلتن، والكردي بختيار علي، والسنغالي محمد مبوغار سار، والأسباني خوزيه ماريا لوبيز والإيطالية غراسيا داليدا.
- واصلت الدار رسالتها الرامية إلى أن تكون قريبة من لحظة الوعي العربي وأسئلته الراهنة؛ فكان مشروعها بترجمة كتاب ”نظريات عالم متعدد الأقطاب“ للمفكر الروسي الفاعل والمؤثر في صناعة القرار الكسندر دوغين. تكفل بنقل هذه النظرية إلى العربية مترجمان قديران، لهما مكانة مرموقة في تجسير المعرفة بين اللغتين الروسية والعربية هما الدكتور ثائر زين الدين والدكتور فريد حاتم الشحف.
- لم تكتفِ دار سؤال بإعادة نشر الملاحم العربية فقط بل اشتغلت بصبر على نقل الملاحم الإنسانية التي لم تنل الفرصة للوصول إلى قارئ العربية العزيز. فكان مشروع ترجمة الملحمة الروسية الأشهر في القرن العشرين ”الحياة والمصير“ للروائي فاسيلي غروسمان. استغرق هذا العمل من الدار اربع سنوات من العمل المضني في الترجمة والمراجعة والتدقيق حتى تصل هذه الملحمة بأجزائها الثلاثة إلى القارئ.
- حرصت الدار على إعادة طباعة نفائس عربية وعالمية لتقرأها الأجيال المتعاقبة ولا تغيب عن مضامينها السامية كـ ”اعترافات تولستوي“، و“الشعر الجاهلي“ و ”أديب“ لعميد الأدب العربي طه حسين، و“الليالي البيض“ لدوستويفسكي.
- كما نشرت الدار مجموعة أعمال مفارقة للسائد، هي نتاج لأسماء لها مقامها وتقديرها في الثقافة العربية في حقول الفكر والفلسفة وعلم الاجتماع والسياسة والإعلام والاقتصاد كالأستاذ الصحفي سمير كرم والنقابي العُماني أحمد الزبيدي واستاذ الفلسفة الجزائري الزواوي بغوره والأكاديمي البحريني البارز نادر كاظم، والسينارست والروائي فريد رمضان، والباحث سعيد سلطان الهاشمي.
- لم تنسَ الدار واجبها الأخلاقي المتمثل في دعم المكتبات والمبادرات القرائية العربية فدخلت في شراكات استراتيجية طويلة الأمد مع مبادرة القراءة نور وبصيرة في مسقط، ومكتبة صوفيا في الكويت، ومشاريع شبابية ومعرفية قادمة في الطريق، تقوم الدار من خلالها بطباعة ونشر وتوزيع الكتب التي تنتجها هذه المشاريع وتسوقها بالطرق المختلفة.
- لم تغفل الدار عن الالتفات لنشر الشعر، فنشرت للشاعر الفلسطيني نمر سعدي وللشاعر المغربي ادريس علّوش، وللعماني عبدالله حبيب، وكذلك للشعراء إبراهيم سعيد وسماء عيسى.
- ومن منطلق إيمانها بتبني الابداع العربي في تنوعه واتساعه نشرت الدار مجاميع سردية وروايات لعدد كبير من الكتاب العرب الشباب [ نبيل قديش، مجدي بن عيسى، نجيبة الهمامي من تونس. الدكتور سعود الزدجالي، يونس الإخزمي، ناصر البدري، محمد الشحري، يوسف الحاج، حمود سعود، حسين العبري وابتسام الخربوشي من عُمان. هوشنك أوسي من سوريا، شكري الميدي من ليبيا، عائشة المحمود من الكويت، حسين كاظم وأماني الهواش من البحرين، والدكتور المهدي مستقيم من الغرب. والقائمة تطول بالذين أسهموا بإبداعهم في الرواية والقصة والدراسات والبحوث على تنوير الوعي ويقظة الضمير.
كل هذا العطاء المكثف في أقل من عشرسنوات، على وعد بمفاجآت أكثر دهشة يستحقها القارئ العربي العزيز.